designed by: M. Aladdin & H. Fathy

Thursday, November 30, 2006

..في مديح بهاء طاهر

لا أحب أن أوصم بالحياد و أنا اتكلم عن بهاء طاهر.

الحياد جريمة. وسط بين ما تعتبره صوابًا و ما تعتبره مغلوطًا؛ سكوت عن باطل أو تخاذل في حق.

ربما كانت الموضوعية هي الكلمة المبتغاة؟ لا أعلم، فمن ناحية فأن الموضوعية المطلقة وهم، و من ناحية أخرى فأن الحب و الامتنان الذي احمله لبهاء طاهر سينزعان عني صفة الموضوعية، و لا أنوي أن أنكر ذلك.

هذا بشكل شخصي، و لكن بشكل عام، فأن بهاء طاهر بما يمثله من قيمة و تأثير في الأدب العربي الحديث لا يحتاج مدحه إلى حب، بل إلى بعض القراءة فحسب، فأن ذلك العمق الممتزج بالبساطة، هذه الاعجازية في كتابته السلسلة المصفاة التي اعتبرها هدفًا و مبتغى لأي كاتب، كفيلة بإنحيازك إلي جانب بهاء طاهر، سواء كنت قارئًا أم ناقدًا.

كنت مسرورًا و ممتنًا لأصدقائي في مؤسسة ورقة و قلم الأدبية لسماحهم لي بإلقاء كلمة مرتجلة و متعثرة في حب بهاء طاهر، و كان هو، كديدنه، رقيقًا و دافئًا. تكريم لأب كبير من الاباء الذين تربينا علي كتابتهم و اعجبنا بها. يجلس بهاء طاهر، الذي اعلم كم من تكريم يعتذر عنه—و هو قد قال ذلك بنفسه—و معه ابنته في احتفالية ورقة و قلم ليتسلم درع المؤسسة، و الأهم حب الناس و امتنانهم لرحلة طويلة من الكتابة التي مثلت للقراء متعة و تفكر، و للكُتاب غيرة حميدة و تعلم، و للنقاد نصوصًا تفيض بالجمال و الحرفية و العمق.

يمشي بخطوته الوئيدة في شارع 26 يوليو متجهًا إلى بيته بعد فراغه من الاحتفالية. امشي بجواره و انا استمع لكلماته. يرافقنا مصطفي علي—أحد أقطاب ورقة و قلم—الذي أصر علي توصيل الأستاذ بهاء إلى بيته.

تكلمنا عن حبي لـ"بالأمس حلمت بك"، و الحكايات المرافقة لكتابتها، و ما بعد كتابتها، و الفرق بينها و بين قصة أخرى عملاقة كـ"أنا الملك جئت"، التي قال عنها الصديق و الكاتب الموهوب نائل الطوخي انها كانت اول ما خطر في باله، عندما فكر في قصة يحولها إلي سيناريو.

يحتفظ بهاء طاهر بابتسامته الطيبة، ضحكته الصغيرة التي تحمل الفكاهة بلا تهكم و السخرية بلا حقد. يقول بهاء طاهر أن الوضع صعب. كم عدد القراء؟ كم عدد النسخ المطبوعة؟ يقول انه كان يمشي في ذات الشارع مع ابنته، فأتى احدهم و سلم عليه بحرارة متمنيا له طول العمر، و قال انه قارئ مواظب و متحمس. شكره الاستاذ بهاء و مضى في طريقه مع ابنته التي قالت في حماسة انه ها هم القراء الذي يشتكي ابيها من انقراضهم، فقال لها ان القراء خمسة عشر فردًا، يعرف منهم اربعة عشر، و هو مسرور بمقابلة القارئ الخامس عشر.

نضحك و امزح معه قائلًا أن تلك الحكاية تصلح لأن تكون قصة قصيرة، و لكن في الحقيقة الخمسة عشر قارئًا هم قارئ واحد يغير في هيئته ليسلم علي كاتبه المحبوب و في كل مرة يقول له اسم و مدينة شكل. يضحك ثم يعاجلنا باقتراح تقدم به لجمال الغيطاني: أخبار أدب و أدباء ايه يا راجل؟ المفروض يكون فيه أخبار القراء.. أهو هو ده الأصدار المهم فعلا.. يعني مثلا الأستاذ فلان الفلاني اكمل رواية مش عارف ايه و اقرضها إلى القارئ الاستاذ علان العلاني اللي ح يخلصها مش عارف امتى. اهو ده الخبر المهم بقي!

يبدو ذلك مؤلمًا من واحد من أكثر الروائيين العرب توزيعًا—15 ألف نسخة في الحب في المنفي علي وجه التقريب—و لا يمكنني الاختلاف معه في تقييمه للأمور، و لكنني من المؤمنين بأن الفن يحمل قيمته في داخله؛ قيمة أصيلة و نابعة من الجوهر، غير متأثرة بدواعي الذوق العام، و الاحوال الاقتصادية، و الاحباط الشامل الذي نعرفه انسانيًا و إجتماعيًا.

أي، و بعبارة أخرى، فأن بهاء طاهر، و هو يصدر احدث رواياته "واحة الغروب" عن روايات الهلال هذا الشهر، سيبقى واحدًا من اعظم كتابنا و اعلاهم شأنًا و قيمة في رأيي المتواضع، و أن الرحلة التي بدأت بـ"الخطوبة" ستستمر في ابهارنا حتى "واحة الغروب"، و ما بعد "واحة الغروب" إن شاء الله. متعك الله بالصحة و العافية يا أستاذ بهاء، من أجلنا نحن: قراءوك و احبابك.

...............................................................

الصورة: بهاء طاهر و محمد علاء الدين، مكتبة ديوان—الزمالك، سبتمبر 2006 .

7 comments:

Lasto-adri *Blue* said...

ياه يا علاء
انا بقرأ واحة الغروب دلوقتى
أكتر من رائعة بجد

بهاء طاهر من اجمل الكتاب اللى قرأت لهم.. واتمنى التقيه فى يوم ما كمان
:)

Mohamed Kamal Hassan said...

ومن يمكنه إدعاء الحياد أو الموضوعية إزاء بهاء طاهر ؟ لقد قلت فى الاحتفالية بمرور عام على تأسيس ورقة وقلم "إن هناك أدباء تصنعهم المؤسسات وأدباء يصنعون المؤسسات.. لقد صنعنا بهاء طاهر هذه الليلة" لؤم كبير منى أن أدعو بهاء إلى تكريم إنه مكر خفى من ورقة وقلم كلها ولكن ما أسعد ورقة وقلم كلها هو ما قاله بهاء طاهر نفسه عنا حين قال "أنا أدعى إلى تكريمات كثيرة ولكن هنا أشعر معكم بالحب" لقد رفض بهاء طاهر أن يصطف الناس من أجله فقام ووقف مع الأدباء والأصدقاء الذين تمت دعوتهم للوقوف من أجله وصححت كلمة" ورقة وقلم تكرم بهاء طاهر" إلى "بهاء طاهر يكرم ورقة وقلم" كنت أتمنى لو كانت لى الحرية أن أتكلم عن وقفته إلى جوارى فى مشوارى الأدبى القصير ولكن أخاف أن يتهمنى أحد باستغلال العلاقات الشخصية وإن كنت أرى أنه يجب أن نستغل جميعًا بهاء طاهر.. هذا الرجل يجب أن يستغل فلم نفعل بعد.. شكرًا يا لول على هذه المقالة عن عم بهاء ولى عودة باسم محمد كمال حسن وليس باسم ورقة وقلم

Lasto-adri *Blue* said...

علاااااء خلصتها
ماقدرتش.. بعد ما مشيت مسكت الكتاب وماقمت من على المكتب الا وهى خلصانة
تحفة فوق الوصف

Muhammad Aladdin said...

لستو
سيحدث في يوم من الأيام
:)

كيمو
زيارة سعيدة و جميلة و اتمني تتكرر
:)

لستو 2
تحفة فوق الوصف فعلا.. مفيش كلام
:)

Anonymous said...

ana ba3sha2 bha2 6aher :))

Muhammad Aladdin said...

:)

Anonymous said...

هو أنا لسَّه مقرأتش واحة الغروب حتَّى الآن ، بس حبيت فقط أعلق على كلام الأستاذ بهاء الذي نقله محمد عن الأدب والكلمة والقارئ الخامس عشر ن متهيألي إن الكلمة الصادقة تقدر تعيش وتستمر لإن قيمتها الحقيقية بتكون بداخلها وليس بحسب المردود الخارجي ، أنا معاه طبعاً في إن القراء عددهم أقل وإن الحالة الثقافية في مصر زي النَّيلَة ، بس على ما أعتقد أنَّ الكاتب - أو المبدع - لو حط ده في دماغه وهوَ بيكتب ، عمره ما هيكمل مقالة .. ولا قصة .. ولا فصل رواية ..

أؤمن كثيراً بما قاله تولستري ذات مرة " أكتب لنفسي وإلى قوى عظمى في الحياة لا يسيطر عليها غيري " ، وما ذكره يوسف إدريس في قصته العظيمة "يموت الزَّمَّار" ، أؤمن بأن الكاتب .. يجب أن يكتب لأنه مؤمن بمعنى الكلمة .. وليس معوَّلَاً الأمر على من سيقرأها ..

ولا أنتَ إيه رأيك يا علاء ؟؟

--

بخصوص بهاء طاهر .. فأكيد مش هقول جديد لو أكدت إنه من أفضل أبناء جيله والأدباء المصريين بشكل عام ، وأن قصته - ومجموعته - "بالأمس حلمتُ بِك" من أفضل المجموعات القصصية العربيَّة ..
أمده الله بالصحة والعافية .. وحماه من احباط المبدع بداخل الكاتب ..

مُحَمَّد المَصْرِي