designed by: M. Aladdin & H. Fathy

Friday, June 24, 2005

دراويش الكافيهات الأنيقة

بين ثنايا الحكايات توجد دوما مادة خصبة للسخرية. فوق شفاه المعشوقين المبتسمة هناك دوما اثر للمرارة. داخل عيون الأطفال اللاهين توجد دوما روح التدمير و العبث. في طريقنا الغريب المسمي بالحياة توجد دوما حفر و وهاد
تسحب سيجارتك في هدوء و انت تتناول افطارك في ذلك المطعم الأنيق القريب من بيتك. لا تفهم ما الذي يحدث حالا. افعال ميكانيكية تبدو احيانا مترابطة و تبدو احيانا غير مترابطة. الترابط بين حركة اليد الممسكة بالملعقة و حركة الفك الذي يهرس الطعام برفق، تتناقض مع السيجارة التي ترقد في ذات اليد، ملتحفة بأصبعيك السبابة و الوسطي. سيجارة غير مشتعلة، و ابريق شاي ما يزال يحتفظ بمياهه الساخنة في جوفه. نادل بالغ النشاط--يبدو انه جديد في المكان--يراقبك عن كثب. عندما تسند ظهرك إلي ظهر المقعد و انت تمسح شفتيك بالمنديل الورقي الناعم يأتي خباً لرفع الصحون. عندما تخنق سيجارتك في السطح البارد الأبيض للمطفأة يأتي كمن يطارد حريقاً ليبدلك بمطفأة جديدة
تشرب الشاي الصباح الأيرلندي الذي تفضله و انت ترمقه بطرف عينك و هو ايضاً. الزبون الوحيد في ذلك الصباح الباكر. اليوم الجمعة و لا احد في الشارع تقريباً. الجميع يعاني من تعب نخر الحياة في ايام ستة، أو من مذاكرة عاتية في سبيل العبث، أو من واجب زوجي ثقيل.أنت لا تسكنك مثل هذه العادات. يمكنك الأفطار هنا و التمتع بالشاي و السجائر بكل هدوء
تحاسب و تخرج. الشارع هادئ و صامت. تتعجب لبعض من حرارة تسللت إلي الجو رغم الساعة المبكرة نسبياً. يحدثك عقلك بالرجوع إلي بيتك القريب. تنفض الأفكار الأنهزامية و تتجاهل تذمر معدة لم تتعود علي الأكل في مثل هذه الساعة و تواصل طريقك مشياً. النيل يعكس اشعة الشمس في جذل كسول. الهواء غافل الصيف و الناس و الشمس و رماك بقبلات باردة. بعض العشاق الصغار--النشطاء حقيقة--جلسوا علي كراسي الكورنيش، تحت شجر البلوط الضخم العتيق، و طفقوا يتحدثوا عن اشياء ما
تمشي في هدوء وقور. تعبر إلي الضفة الأخري. تدخل إلي كافية انيق آخر. تطلب كابوتشينو و تتصفح مجلة مصرية مكتوبة باللغة الأنجليزية. تجد مقالا ينقد المعارضة التي دعت إلي مقاطعة الاستفتاء التاريخي
لا يوجد غيرك في تلك المساحة الصغيرة الدافئة، و كأنك استأجرت المكان. تسأل نفسك لِمَ لم تطلب مشروبا جديداً عليك بدلا من طلبات الشاي-القهوة-البيبسي المعتادة.. لماذا لم تجرب الموكا مثلا؟! الشيكولاتة الساخنة؟! مشروب ما مسمي بأسم المكان؟
تتصفح المجلة و تشرب مج الكابوتشينو في صمت. تنظر إلي الشارع الذي بدأ يموج بالحركة النسبية، و إن كانت هادئة متحفظة علي كثرة الرائحين و الغادين. تحاسب مرة اخري و تنزل. تعبر الشارع لتدخل مكتبة انيقة. تحاول التركيز في قراءة "العالم السفلي" لـ دون دي ليلو و لكنك تنتهي بديوان ابو نواس. تظن أن الرجل "...." كبير و لكنه محكم العبارات بشكل مستفز. تقابل مترجما انجليزياً مشهورا في اوساط بلادك الثقافية و تتبادلا حديثا طويلا عن الأدب، و العلاقات العائلية ، و كتابك الصغير . يسألك أن كانت السفارة قد كلمتك فتجيب بالنفي. فاجئك بمسألة ترشيحه اياك لتمثل بلادك في برنامج ثقافي في احدي جامعات الأمبراطورية الرومانية الجديدة
تسأل إن كان منحهم اسمك الصحيح--هو يخطئ دائماً في تذكره--فيؤكد
علي دقته الشديدة في هذا الأمر. تهز رأسك و تصمت عن رفضك لعرضهم إن جاء. أن ترفض ما لم يعرض عليك هو قبول مستتر
تشربا مشروبات باردة في تراخ. يعتذر بميعاد هام فتبتسم و تثني علي لقاءات المصادفة. يضحك ضحكة انجليزية قصيرة مثالية، يهز ذقنه ذات اللحية الصغيرة المشذبة، و تضيق عينيه الزرقوان لتمنح شعر حاجبيه الساقط عليهما مزيداً من السطوة. يصافحك بيد قوية و يمضي في حال سبيله
تحاسب و تمشي
لا تميل إلي مثل هذه الضياعات الصغيرة في الشوارع عادة، و لكنك فعلتها
كتاب صغير يرقد في حقيبة ورقية انيقة منحتها اياك المكتبة. عقل مثقل بأفكار تلات اربعها يستحق سلة المهملات بامتياز. عينين مرهقتين من نوم قصير. حياة ما تزال فيها اميال عديدة، ذلك إن لم تصطادك عربة طائشة، أو مرض هائج
القاهرة ترقد امامك كمدينة عجوز مرهقة. تود أن تقول لها أنك اكثر ارهاقاً.. و لكنها لن تصدقك. فجأة خطر ببالك--في زحام كل المواضيع غير المترابطة--نبوءة احد الناس الذين يعرفونك
"ستنتهي درويشاً أو ماجناً"
يخطر لك فجأة--ايضا--ان ما تفعله اليوم هو لون لطيف قديم من الدروشة
ربما